آمال شاقّة

لم تعد الشعارات قادرة على تحريكنا، والـ "نا" هنا تعود لتلك الأجساد المنهكة المأزومة، المنتظرة لخلاصها بين طيات الأيام. تلك الشعارات كان لها أثر يوماً ما، حينما كان هناك قوة لممارسة مضامينها، فحق لنا حينها ان نحاول وأن نأمل وأن نرتدي الأعلام ونتداول ما سطرته الأقلام من مقولات قصيرة عن البطولة والشغف والقوة والأمل.

مات ونّوس وهو يحمل شعلة الأمل، إنه سعدالله ونّوس، الكاتب والمسرحي السوري الذي لازالت مقولته تحلق في فضائنا الرقمي: "إننا محكومون بالأمل" ، قالها وهو يصارع هزائمنا على الصعيد الجمعي، وهزائمه على الصعيد الذاتي، فقد داهمه ذلك المرض الذي اعتدنا ان نعطيه صفة الغائب مجازاً، وهو "السرطان" الذي يغيب عن ألسنتنا ولكنه حاضر بيننا.

المقولة كان لها صدًا واسع بين مثقفي المجاز، ففي الوسط الفني هناك من تبناها في أطروحاته، وهناك من أدخلها في سياقات درامية و"كليشيهات" اختزلت المعنى باللامعنى. التداول أفقدها قيمتها فبقيت كغيرها من المقولات الحالمة بأمل موجود في بقعة ما من بقاع أضوائنا الخافتة.

ونّوس الذي آثر المرور عبر مساحات آمنة لم يكن قادراً على تحمل الهزائم، فكان الخذلان شعورًا عابرًا دومًا نحو قلمه، ليعمل على شذب وزيادة حدة نتاجه الأدبي، سواء بتوجيه خطابه نحو الآخر أو الـ نحن، وهو ما كان يقتضي امتلاكه لمهارة الاستنكار المبطن للهروب من مقص الرقابة.

مهارة التبطين لدى ونّوس تظهر جلياً في اختياره لمفردات مقولته الشهيرة "إننا محكومون بالأمل" فهو لم يقل "محتكمون" وإنما استعاض عنها بـ "محكومون"، وشتان بينهما، فالمحتكم يمتلك صلاحية الاختيار، بعكس المحكوم الفاقد للمشيئة، وبذلك فإن المقولة - ورغم وضوحها الظاهر - إلا أنها تحمل في باطنها تأويلاً آخر.

نحن هنا أمام مقولة تتضمن توصيف مباشر لحالة تحجيم خيارات الفرد إلى حدودها الدنيا، حيث بات خياره الوحيد هو التفائل بغدٍ أفضل، وهو تفاءل بالإكراه، لا يمارسه إلا المسحوقون في المجتمع، فأصحاب سلطة النفوذ، ورأس المال، وبطريركية المجتمع، هم وحدهم من يستطيعون التغيير.

إننا فعلاً لا نمتلك إلا خيار الأمل.. ولا أمل في مجرد الأمل.

تعليقات