المشاركات

حول توظيف الفكر النهضوي في تفكيك الخطاب الشعبوي

صورة
في حلقة من برنامج موازين للأستاذ وضاح خنفر بعنوان "الأمة بحاجة لإعادة بناء سقفها الحضاري" يقدم مفهوم "البحث عن المشتركات" تحت سقف حضاري واحد بديل للأيديولوجيا التي كانت توحد الناس ولكنها تصنع الفروق؛ أنا أرى أن هذه الدعوة لا تخلو من بعض الطوباوية كغيرها من الدعوات الإصلاحية ذات الطابع التوجيهي العام التي تحمل نقيضها في صميم تكوينها، فهي ما إن تنطلق من الحوار حول الكليّات حتى تصطدم بالجزئيات فتتحول إلى ايديولوجيا بفعل تقلّص نطاق الممكن. كما أن ما وُصف في بداية الحلقة بأنه عصر "غياب الأيديولوجيا" قد يكون في الواقع عصر "تحول الأيديولوجيا". فحركة انحسار الأيدولوجيات الكبرى التقليدية (مثل القومية والاشتراكية) جاءت بفعل ظهور أيدلوجيا مقترنة بالخطاب الإسلامي واكتسابها قدرة استقطابية قلّصت من نطاق شعبية باقي الأيدولوجيات، وأسهمت في تحويلها إلى أنماط أقل حدة قد تعود مدفوعة بحركة الاقصاء الاجتماعي. ما لم يتم تبني دعوة الاستاذ وضاح إلى تأسيس خطاب ديني نقي من التوظيف السياسي، متجدد في لغته، وقادر على نقل المقاصد الكبرى للدين بلغة يفهمها الناس، وتلا...

قراءة في واقع السلطة السورية: جدليّة الثابت والمتحرك

صورة
تبددت مشاعر الخوف شيئًا فشيئًا، وانكشفت أمامنا معالم الأفق، فأصبح بإمكاننا إدراك ما كان غائبًا والتعبير عمّا كان مكتومًا، وبدأ يتشكل لدينا شعور متزايد بقدرتنا على توظيف هذه المساحة المكتسبة من الحرية في إعادة تشكيل واقعنا نحو صورة أكثر إشراقًا، رسمناها في مخيلتنا، وربطنا تحقيقها بالأمل الذي وضعناه على عاتق ولاة أمرنا الجدد. أنصتنا إليهم، وتأملنا في خطابهم، بل وتماهينا مع بعض تطلعاتهم. وأدركنا تدريجيًا شخوص وأبعاد السلطة الجديدة، وبدا لنا أن ما يُقال قد يحمل معاني مختلفة، فللكلمة صورة في ذهن قائلها، وأخرى في ذهن متلقيها، وما بين الصورتين قد تتسع الفجوة. في عهد النظام السابق، كانت السلطة الاستبدادية تُمارس بأسلوب مركزي وعمودي، من خلال هرمية صلبة تضع الحكم في يد جهة واحدة، تنساب منها القرارات إلى الأسفل، عبر طبقات من المسؤولين والجهات المتنفذة. هذا النمط من السلطة يقوم على طمس الحدود بين الواقع المدني والعسكري بشكل منهجي كجزء من استراتيجية تعزيز السيطرة المطلقة على مفاصل الدولة والمجتمع، والهيمنة على كافة مناحي الحياة، وتسييس المؤسسات مثل النقابات والجامعات والإعلام من ...

عن استحضار الأموية ومسارات الهوية الدمشقية

صورة
من يدعو إلى استحضار ظل الدولة الأموية في دمشق، ويستدعي صورة الأمس في زمنٍ لا يشبه الأمس، هو كمن يُثري عطر الياسمين بعبق المسك، فلا الأوّل يأمن بقاءه، ولا الثاني يَحفظ نقاءه. لئن كان العصر الأموي سِفرًا من سيوفٍ وانتصارات، فإن بين طيّاته سطورًا من دماءٍ وحسرات. فذاك الماضي، إذ يُستشهد به اليوم، يصبح موقدًا يشعل نار الفتن، ويوقظ عهد المِحن. وفي الشام، جسدٌ أثكله البلاء، وأحياءٌ فقدت أحياءها، ومستبدٌّ أحالها حُبلى بفِرقٍ وأحقاد، تهتاج بصليل الحديد، ولا تسكن إلا بروح العدل. أيّها الحالم بعودة الأموية، هَب أن الزمان استدار بك إلى دمشق القرون الوسطى، أفتحكم الناس بسيفٍ ووعيد، بعد أن ذاقوا حلاوة الحرية، واستحالت أمامهم ألوان الاستبداد، ماضيًا يثقل الجسد وينهك الروح؟ ولئن كان في النهج الأموي ما يبهج القلب ببهاء المُلك والحضارة الممتدّة، فقد وُلِدَ في زمنٍ يستدعي الاقتتال والسيف، أمّا اليوم، إن نظرنا إلى ما صرنا إليه، فإننا لا نبتغي إلا ما يحفظ وحدتنا واستقرارنا، نحلم بدولةٍ فاضلة، وننظر تشريعًا نكون فيه سواسيةً كأسنان المشط. هل ترى الاستقرار في وصاية الجمع على البعض، وانفرادهم بمقاليد الحكم وإ...

صحافة الرصيف: بين أزمة التمويل والمسار العليل

صورة
خلال قراءتي لإحدى النشرات البريدية لموقع "ر.22"، وجدت أن الناشر أضاف في ختام النص عبارة يدعو فيها القارئ إلى تقديم الدعم المادي للمؤسسة. وعلى الرغم من أنّ هذه دعوةٌ معتادة يواجهها قرّاء مقالات الصحيفة خلال تصفّحهم لموقعها ومنشوراتها البريدية، فقد وردت هذه المرة في سياق مختلف؛ إذ يبدو أنّ الأحداث في الساحة السياسية الأمريكية قد أثّرت على مصادر تمويل المؤسسة، حيث يعبّر الناشر عن امتعاضه من توقيف ترامب للمساعدات الأمريكية التي كانت تشمل برامج "ر.22" المعنية بالبيئة والأقليات في العالم العربي. وقد أتبع الدعوة بقوله: "نطلب منكم الانضمام إلى برنامج 'ناس رصيف'، لنتمكّن من متابعة عملنا"، مختتمًا النص بعبارة: "كي تبقى بلادنا لنا." وقد جاء القرار الذي أعلنته الولايات المتحدة يوم الجمعة 24 يناير الجاري على لسان وزير خارجيتها، ماركو روبيو، موجهًا خطابه إلى موظفي الإدارة الأمريكية بقوله: "لا يجوز الالتزام بأي تمويل جديد لأي جهة، أو تمديد أي تمويل حالي، وذلك إلى أن تتم مراجعة كل تمويل جديد والموافقة عليه... بما يتماشى مع أجندة الرئيس دونالد ترامب....

العلمانية في سوريا: بين جدل المفهوم وصراع التيارات

صورة
مع التغيّرات السياسية الحاصلة في سوريا وصعود التيار الإسلامي وتوليه زمام قيادة الحكومة المؤقتة، ظهرت بين أوساط التيارات النهضوية أصوات تنادي بتطبيق النظم العلمانية، بوصفها الملاذ الآمن والضامن الأول للتعددية وحقوق الأقليات. وخرجت احتجاجات في ساحة الأمويين، فيما عُرفت لاحقًا بـ"مظاهرة العلمانيين"، التي أثارت استهجان الأكثرية المحافظة وأصبحت مادة للتندر والاستهزاء عبر منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى حملات التخوين واتهام منظميها بالتبعية لأجندات خارجية تدعم مساعي إطلاق مشروع الثورة المضادة. العلمانية مصطلح جدلي في منطقتنا العربية؛ ففي حين ينظر الإسلاميون إلى العلمانية بوصفها محاولة لفصل الدين عن الحياة العامة، مما يؤدي في نظرهم إلى تهميش الشريعة الإسلامية وتفكيك الهوية الثقافية والدينية للمجتمع، يرى أنصار العلمانية أنها تمثل حلاً حضارياً لضمان التعددية الفكرية والسياسية، وحماية حقوق الأفراد بغض النظر عن معتقداتهم، بالإضافة إلى الحد من استغلال الدين في السياسة. وقد أثيرت حول هذا المصطلح العديد من الحوارات والمناظرات، من أشهرها مناظرة الغزالي وفرج فود...

المقولة التي أنارت بصيرتي

صورة
صحوت يومًا على منامٍ رأيت فيه عبارة واضحة المعالم، لدرجة أنها بقيت عالقة في ذاكرتي حتى اليوم دون الحاجة لتدوينها. العبارة كانت: "من ألِف الكُلفة، فقد كَلِف الأُلفة". أول ما أثارني في هذه العبارة هو قالبها الفني الذي يتضمن الجناس التام، أحد أروع بدائع اللغة العربية، والذي تم توظيفه بمهارة لخدمة غاية النص، بعيدًا عن أي ابتذال أو تكلف. في ذلك اليوم أمضيت وقتًا طويلًا أبحث عن أصل هذه العبارة، ظنًا مني أنها قد تكون مقتبسة من الشعر أو الأدب أو نصوص الموروث الديني، خاصة وأنني من عشاق الشعر وبلاغته. بحثت عنها عبر الإنترنت، وامتد بحثي ليشمل المراجع الأدبية والدينية، لكنني لم أجد لها أي مرجعية ولم تكن منسوبة لأحد. غالبًا ما تكون الأحلام انعكاسًا لمشاعرنا وأفكارنا الداخلية. عبارة "من ألِف الكُلفة، فقد كَلِف الأُلفة" تحمل دلالات قد تتصل بما كنت أمر به خلال تلك الفترة. العبارة تشير إلى أن الشخص الذي ا...

فلسفة التفاصيل: البحث عن الحكمة في المألوف

صورة
يُقال إن بداخل كل منا "فيلسوف صغير" يظهر عندما نتأمل الحكمة الكامنة في تفاصيل حياتنا اليومية وما نمارسه بشكل اعتيادي ومألوف. قد تبدو الفلسفة نخبوية وعميقة وبعيدة عن الواقع، إلا أن الإنسان مجبول على فطرة قوامها حب الحكمة والبحث عنها في كل ما يترائى أمامه من أحداث وأفعال مألوفة وروتينية. على سبيل المثال، من يعمل في مجال تصميم الجرافيك - بشتى أنواعه - قد يجد نفسه أمام شاشتين، إحداهما تبالغ بإشباعها اللوني، والأخرى تتسم ألوانها بالهدوء والبهتان. وبين هذه وتلك، الحقيقة اللونية تتوارى في منطقة وسطى تتطلب المعالجة والاختبار الدقيق. هذه الصورة، وإن بدت تقنية، إلا أنها تحمل رموزاً أعمق تتجاوز النطاق الحرفي؛ فهي تشير إلى نسبية الإدراك، ضرورة البحث عن التوازن، وحتمية المراجعة والتقييم لاكتشاف الحقيقة بشكل أعمق، وضرورة الاعتماد على المعايير والقيم المشتركة. أول هذه الرموز هي نسبية الإدراك؛ كما لا يمكن لعين المصمم أن تدعي معرفة حقيقة تطابق الدرجة ال...